مدونة تهتم في تنمية الذات والشخصية

الجمعة، 20 نوفمبر 2020

التخلص من الحالة النفسية الناتجة عن الظروف العامة

 الظروف العامة كالحروب والبراكين والزلازل وانتشار الاوبئة و صعوبة المعيشة تشكل لدينا مشكلة كبيرة، والتي قد تسبب لنا الحالة النفسية السيئة، إذا استجبنا لهذه الظروف بشكل سلبي فإننا سوف نصاب بالحالة النفسية المليئة بالخوف والقلق والاكتئاب، واذا استجبنا لهذه الظروف بطريقة ايجابية، سوف نخرج من هذه الظروف الصعبة وسوف نتغلب على الظروف الصعبة مهما كانت. 


هل نستطيع التغلب على الظروف الصعبة ؟

كيف نتغلب على هذه الظروف ؟ 

هل نستطيع أن ننجح في ظل الظروف الصعبة والتحديات الراهنة؟ 

كيف؟ 


اقرأ قصة   (تالا في توكانا)   ثم شاركنا رأيك عن الاستفسارات السابقة 




 

لقد إعتادت تالا أن تستيقض بوقت مبكر كل صباح قبل طلوع الفجر وتجلس بقرب النافذة تتأمل الطبيعة الخلابة، وتؤلف الروايات، وتستمر بالكتابة حتى بزوغ الشمس، ثم تخرج الى حديقة المنزل وتسير بين الاشجار وتسقي الورد حتى يستيقض أفراد أسرتها المؤلفة من الأب الذي يعمل نجار والأم التي تعمل ربة منزل وشقيقها الصغير الذي يبلغ من العمر عشرة سنوات. لقد كانت موهبة تالا كتابة الروايات الخيالية، وقد أنهت تالا المرحلة الثانوية وكانت ترغب أن تلتحق بالجامعة لدراسة اللغة العربية ولكن ظروف المنطقة التي تعيش بها كانت صعبة لكثرة حدوث العواصف والفياضانات بسب تلاصق القرية مع المحيط.

لقد بدأ الإعصار يقترب أكثر وأكثر، الرياح العاصفة قوية، بدأت الاشياء تسقط على الارض من قوة الرياح، وبدأ الصراخ من كل مكان. جلست تالا في البيت والرعب يملأ قلبها، ما الذي يحصل الاَن؟ إنه من أقوى الأعاصير التي حدثت قبل ذلك، حتى سمعت على الأخبار بأن المنطقة التي تعيش فيها تالا بدأت تتعرض الى إعصار كبير، يختلف عن الأعاصير السابقة، هذا الإعصار مدَمّر، ويقترب بسرعة نحو القرية والتي يمكن أن تغرق بيوتها بالماء، العاصفة سريعة، وأنه يجب إخلاء المنطقة فوراً، وبدأ الناس يرحلون من بيوتهم.

جلست بالباص ومعي حقيبتي الشخصية فقط مع أبي وأمي وشقيقي الصغير، وتحرك الباص مسرعاً هارباً من المنطقة التي بدأت تغرق بالفيضان، وبعد أن سرنا بالباص مسافة بسيطة، سمعنا أصوات المنازل التي تنهدم من قوة الفيضان، ونظرنا خلفنا لنجد بيتنا قد إنهدم أمامنا، سالت الدموع من عين أبي، وبكت أمي، وصرخ أخي، وأنا قلبي يرتجب من الخوف. لقد خَيّم علينا الحزن، والباص يسير الى دولة أخرى مجاورة لدولتنا وهي أقرب مكان نلجأ اليه هروباً من الإعصار، ولم نستطيع الذهاب الى منطقة أخرى بنفس الدولة بسبب أن الفقياضان كان يحيط قريتنا من جهة الأخرى.

بعد يومين عبرنا الحدود الى الدولة المجاورة، إنها دولة توكانا المسلمة، بعيدة عن البحر وعن الفياضانات والأعاصير، وكان سكانها لا يتكلمون اللغة العربية الا قليلاً، وصلنا الى ساحة واسعة، وبدأ العمال في بناء المخيمات البسيطة. جلسنا أنا وأفراد أسرتي بالخيمة والتي لا تحتوي على شيء، وبدأت المساعدات تأتي الينا، بعض الأطعمة والمؤن البسيطة.

لا أدري ما الذي حصل، هل هو حقيقة أم حلم؟ لقد فقدنا، بيتنا، حديقتنا، وأبي فقد عمله، وها نحن الان نجلس في المخيم ننتظر، ماذا ننتظر؟ لا أعرف ولكننا والعديد من الناس من حولنا ننتظر، ولكننا ننتظر حتى تهدأ العاصفة، ولكن بيوتنا إنهدمت، ولا نستطيع الرجوع اليها في الوقت الراهن. وأخبرونا أننا يجب أن ننتظر الى حين ترميم منازلنا وبناء السدود في منطقتنا، ولكن هذا سوف يستغرق بضعة سنوات.

لقد إستيقضت في الصباح الباكر، ولم أجد النافذه التي أنظر منها كل يوم ولا الحديقة التي أسير عليها، وجدت نفسي بالخيمة وهي عبارة عن غرفة واحدة ننام بها أنا وأفراد أسرتي، مسكت القلم والورقة كالمعتاد لكي أكتب، سالت الدموع على الورقة، القلب حزين، العقل مرتبك، الورقة إمتلأت بالدموع، وسحبت ورقة أخرى وبدأت أكتب، ولكن ليس روايات وإنما أكتب عن أحوالنا ومعيشتنا الصعبة، لكي أعبّر عن مدى حزني وألمي، وانغمرت الورقة بالدموع مرة أخرى، ولم أستطع أن أمسك نفسي من البكاء، حتى إستيقض والدي على صوت بكائي، وأخذ يُقَبّلني وأخذني في حضنه الدافيء الحنون، وقال لي: الله معنا.

في اليوم التالي، إستيقضت بالصباح الباكر كالمعتاد، ولم أجد النافذة ولا الحديقة، وأخذت الورقة والقلم لكي أكتب، وانهمرت الدموع على الورقة، ومسكت نفسي عن البكاء حتى لا يستيقض والدي من النوم، وبدأت أكتب ما يجول في خاطري، أين نحن؟ ماذا حصل؟ أين بيتنا ؟ من يعلم بأحوالنا؟ من يشعر بنا؟ من يسمع صوتنا؟ وهنا لقد تذكرت كلام والدي: الله معنا.

نعم هذا صحيح إن الله يسمع ويرى، والله معنا دائماً وأبداً، وبدأت أكتب العبارة التالية: الله معنا، الله معنا، الله معنا، وكررتها مئات المرات، وبدأت أشعر بالراحة والأمان، ورفعت يداي الى رب السماء: يا رب، أنت تسمع وترى، يا رب لقد فقدنا منزلنا ولا نستطيع الرجوع الى منطقتنا، يا رب أنا راضية في حكمك، أنا راضية بما قسمته لنا، أنا راضية على كل شيء حصل معنا، يا رب أرشدني الى الطريق الصحيح.

لقد شعرت ولأول مرة بطاقة حيوية تدخل الى جسدي، وهدوء وراحة الى قلبي، وأنا أكرر العبارة: الله معنا يسمع ويرى، وخرجت من الخيمة وجمعت الأطفال وجلسنا على الأرض، وأخذت أروي لهم القصص والروايات لأخفف عنهم. ومن هنا بدأت بالعمل كل يوم صباحاً، أجمع الأطفال وأروي لهم القصص وأعلمهم القران واللغة العربية، وفي المساء أتعلم لغة توكانا، حتى أتقنتها لدرجة جيدة جداً.

إن العمال والموظفين من دولة توكانا يساعدوننا بالطعام والمؤن البسيطة، هذه الدولة البسيطة والتي تساعدنا بما تمتلكه من إمكانات بسيطة، إنهم مسلمون بسطاء. بدأت أتحدث اليهم بلغتهم، إنهم أصدقاء ولطفاء وبدأت أعلمهم اللغة العربية، وقراءة القران، وأتعلم منهم لغتهم أكثر وأكثر. قاموا ببناء خيمة كبيرة ومجهزة ببعض المقاعد والسبورة، وبدأت أعطي الدروس للأطفال، واللغة العربية والقران لأهل توكانا، لقد كانوا يعرفون القليل من اللغة العربية والقران، والاَن أصبحت لدينا مدرسة بسيطة. نحن الان في مشكلة كبيرة بل في أزمة ولكن وجدت أن هذه المشكلة هي زيادة في الخبرة وفي تجارب الحياة وقد وجدت فرصة أن أتعلم لغة جديدة.

جاء مجموعة من المسئولين من دولة توكانا للاطمئنان على أحوال المخيم وأحوال الناس، وقد استدعوني لكي أقوم بالترجمة لهم، وقام أحد المسئولين بتوظيفي بمنصب مرموق، أصبحت منسقة ومترجمة في إدارة المخيم، لقد وجت فرصة ممتازة في ظل هذه الظروف الصعبة، وقمت باستغلال الفرصة، لأنني رضيت بما قسمه الله لي، ولأنني دعوت الله أن يرشدني الى الطريق الصحيح، طريق الانقاذ والنجاح، أصبحت الان موظفة وأتقاضى راتب لا بأس به، وتحسنت ظروفنا.

وبعد مرور سنة، جاء نفس المسئول للاطمئنان عن أحوال الناس في المخيم الذي تحسنت قليلاً عن السابق، وطلبت منه أن نرحل الى المدينة، عاصمة توكانا، لم أتخيل بأنه سيوافق، نعم وافق على الفور، بسبب نجاحي في التعليم واللغة، وقام بنقلي أنا وعائلتي الى المدينة، وحصلنا على بطاقة هوية وإقامة مؤقته، استأجرنا بيت وأنا أكملت عملي في التعليم والترجمة وسرد الروايات للأطفال، ودخلت الجامعة بمنحة من هذه الدولة البسيطة، وتخرجت من الجامعة بتقدير ممتاز، وعملت في التعليم والتأليف، و قام والدي بفتح منجرة جديدة وكبيرة، وتحسنت أحوالنا وأصبحت كما كانت في السابق بل وأفضل، أستيقض في الصباح الباكر، وأنظر من النافذة لأرى الحديقة، ثم أبدأ بالكتابة وتأليف الروايات، وقد أصبحت كاتبة معروفة، وحققت النجاح في بيع الروايات الخيالية، وكسب حب الجمهور والمتابعين. وأخيراً وبعد مرور بضعة سنوات رجعنا الى منطقتنا بعدما تم ترميم المنازل، وتم بناء السدود لمنع الأعاصير من ضرب القرية التي أعيش بها.

عندما ترضى بما قسمه الله لك، وترفع يداك الى رب السماء، وتفكر بطريقة ايجابية، وتبحث عن الفرص، وتغتنم الفرص، وتعمل بجد وبنشاط وتستثمر موهبتك وشغفك، فسوف يتغير حالك الى الأفضل بإذن الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق